هذا ملخص عن ملحمة مم و زين ....قصة حب نبت في الارض و انيع في السماء
كان الوقت أصيلا، والناس يودعون 20 آذار - ليستقبلوا من ورائه ربيع سنة جديدة يقضون نهارهم فوق المهاد وارفة الخضراء، وعلى ضفاف دجلة وفي سفوح الجبال، وذلك جريا وراء تلك العادة الشائعة في جميع أنحاء كردستان من الاحتفال بعيد «النوروز» في مثل ذلك اليوم بشروق الربيع وابتسامه الجديد، حيث أرادت زين العثور على الرجل الذي لن يعجبها إلا إذا بلغ جماله في نفسها مبلغ فتنة هذه الطبيعة الحالمة وأثرها لديها..
وأخذ الناس ينتشرون بين أجواء خمرية تتهادى على ضفاف النهر الفضي وفوق أشجار العنب الخضر المطرزة بأبدع نقوش الزهور، وفوق سفوح (الجودي) الذي هو من بعض جبال جزيرة بوطان المفروشة بأبهى ديباجة من السندس المتالق.. حيث كانت الشقيقتان (ستي وزين) متنكرتين في لباس الرجال وهيأتهم، واندستا في صفوفهم في ظاهر الجزيرة، ولا شك انهم يحسبونها من بعض شباب قصر الأمير زين الدين وغلمانه!
وقد نجحتا في الفكرة هذه، وأتيح لكل منهما أن تجد من مختلف شباب هذه الجزيرة واسعة الأطرف من يروقها ويعجبها وكانا هذان الشابان (تاج الدين) و(مم) العاملان في قصر أخيهما الأمير زين الدين..
كانت تعيش في قصر الأمير زين الدين، مربية عجوز يقال لها (هيلانة) كانت هرمة غير أنها أقوى من الدهر ومكره، وقد شاء لها أن تجمع بين الأميرة (ستي) وأحد رجال ديوان الأمير الذي كان يدعى تاج الدين دون صعاب أو مشاكل تذكر وانتهى أمرهما بالزواج... بينما أخفقت هي ومعها الأقدار أن تمتن حبل الوصال بين الأميرة- زين- وسكرتير ديوان الأمير ( مم)..
ففي الوقت الذي كان تاج الدين والأميرة ستي منشغلين عن الدنيا وما فيها، وقد حقق حلمهما في الوصال، ويرقدان في مهد الأحلام، غذاؤهما شهد الوصال وشرابهما كوثر الشفاه، كان العاشق (مم) وحبيبة قلبه المضطرب بالهوى والشباب (زين) يعيشان ألم الفرقة والعذاب، ويتحملان هموم العذال ويتجرعان كؤوس الشقاء واليأس، وتأبى سنن الكون إلا أن تجري في قصتنا هذه، فتجمع بين عنصري الخير والشر وتمزج فرحة السعادة بدموع البؤس، وعنصر الشر في هذه القصة هو حاجب خاص لديوان الأمير، ويدعى (بكر) كانت لهذا الحاجب نفس تنطوي على أشد ألوان الخبث والمكر، وكأنما غذيت روحه بحب الفتنة ، فهو يتعشق الولوج فيها حيثما لاح له بابها. ولم يكن في مظهره قصيرا أو دميما فقط بل كان إلى ذلك اجرد الشكل باهت السحنة ذا عينين تشعان بمزيج من الحقد والكراهية والحسد، وقد استطاع (بكر) أن يجعل الأمير زين الدين يتشبث برأيه ويستبد قائلا: «تأكدوا جميعا انه قد يمكن أن تظل زين طيلة حياتها عزباء في هذا القصر، ولكن لا يمكن أبدا أن اجعلها يوما من نصيب (مم)، ولا ادعي إلى أن تعرفوا سببا لذلك أكثر من أنني هكذا أردت، ولا داعي أيضا إلى أن تعيدوا بعد اليوم إلى مسمعي هذا الحديث إلا إذا رأيتم داعيا الى اثارة شر أنتم في غنى عنه». بعد مرور العديد من الأحداث المهمة، وانقضاء الشهور المتوالية. كانت تمر حياة زين، خلوات مع الأشباح والأطياف، وحديث مع الخيالات والأوهام يطوف كل ذلك بها، ثم يستقر في ذهنها وقلبها كل المشاعرها شيء واحد هو اسم (مم) هو حظها المنكوب الذي أبعدها عن أليف روحها وأخرجها من أفراح الدنيا ونعيمها!
أما (مم) فقد كان يبكي حتى تقرحت عيناه، وظل يتوجع ويتحرق حتى كادت تنطفئ جذوة حياته. وظلت تنهار منه القوى وتخور فيه العزيمة ويصفر منه الشكل إلى أن طرحته الحمى في مكان ما على شاطئ دجلة وحيدا إلا من بعض أصدقائه المخلصين الذين كانوا يعودونه ويواسونه بين كل فترة وأخرى.
لقد استطاع (مم و زين) حينا من الزمن أن يخفيا عن الناس قصة حبهما وان يحجبا عنهما جبروت السلطان الذي يتحكم في قلب كل منهما من غير رحمة، ولكن هذه الطاقة لم تدم لهما طويلا، فسرعان ما هتك من حول قلبهما الستر وانتشرت مدامعهما بين أبصار الناس، وراحت الألسن تتحدث عن حبهما وتتخذ من خبرهما لحنا يسري الى كل مكان وينتهي إلى سمع الأسياد والعبيد. وراحت التعليقات المتخيلة تسبح حول ذينك المسكينين البريئين اللذين لم يذوقا من الحب إلا مرارته وعلقمه، أقاويل كاذبة، وتسرب الخبر الى الحاجب الخبيث (بكر) الذي أوغر قلب الأمير ضد (مم) الذي يعبث بشرف وسمعة الأمير، فصمم على قتله واعد له المكيدة كما رسمها له بكر، ولكن تدخل صديق مم «تاج الدين» جعله يستبدل بقلته، سجنه في إحدى الآبار الحالكة دون مبرر أو منطق!
وفي غياهب السجن أصيب (مم) بشتى الأمراض منتهيا بمرض السل، أما زين فقد كان حالها ليس بأحسن من حاله فقد انتهى أمرها مهجورة في إحدى غرف القصر تبكي حظها الداثر، وحبيبها المسجون، وفي إحدى الأيام جاءها الأمير زين الدين بخطة جهنمية من حاجبه (بكر) لكي يقتل(مم) أمام عينها، ولكنه عندما شاهدها في حال اليأس رق لها قلبه، وندم على ما فات ، وهنا قالت له زين: «لقد فرقتنا في هذه الحياة ، فوصيتي لك أن تجمعنا في مماتنا». ثم سمح لها بزيارة (مم) في سجنه لعلها تودعه قبل الرحيل ، وعندما شاهدته ألقت بجسمها عليه حتى لفظ الاثنان أنفاسهما، وهكذا حكم الدهر أن لا يجتمع الحبيبان إلا في ظلمات تلك الحفرة، وتوارى العشاق في لحد واحد.
أما بكر فقد نال جزاءه العادل وهو الموت على يد تاج الدين صديق مم الذي أدهشته الحالة التي وصل إليها هذان العاشقان بسبب ما قام من فتنة وحسد بين الأمير وذانك الحبيبان. ومن المدهش أن (زين) أوصت بأن يدفن بكر تحت قدميهما مباشرة! قالوا والسبب في ذلك، أن يلازمهما ويصبح حاجبا مخلصا لهما في الجنة، لأن الأقدار سخرته لهما ليصفو حبهما هذا الصفاء الروحي ولتسمو نفساهما إلى ما فوق مظاهر المادة .
وإن لبطلي القصة المؤثرة اليوم قبرين معروفين في جزيرة ابن عمر يستطيع كل من أراد أن يشاهدهما. والعجيب أن قبر مم وزين يظل محاطا بسور من ظلال الأشجار والورود.. أما قبر بكر فلا تكاد الأشواك تبارحه وتعلوه بغزارة!