حال الكافر في النار ، وخلوده فيها أبد الدهر !!
هل سيعيش الكافرون في الجحيم أبد الدهر؟ فالقرآن يذكر أنهم سيحشرون عميا يوم البعث، وهل سيكونون قادرين على السمع؟ ولقد قرأت فيما أذكر أنهم سيحشرون عميا وصما وبكما، وفي النهاية كيف نوفق بين تلك الآيات والآيات التي تتحدث عن مشاهدة الكافرين للنار؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من عقيدة أهل السنة والجماعة القول بخلود الكفار في النار أبدا ، فما هم منها بمخرجين ، ولا هي بالتي تفنى . قال الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) النساء / 168 - 169
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) فاطر/ 36
وقال سبحانه :
( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) الزخرف / 77
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
" هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، وأدركت من أدركت من العلماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها ، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق " . وساق أقوالهم إلى أن قال : " وقد خلقت الجنة وما فيها ، وخلقت النار وما فيها ؛ خلقهما الله عز وجل وخلق لهما أهلا ، ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا " انتهى .
ينظر : "شرح قصيدة ابن القيم" (1 / 96-97) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
" اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ، ولا للنار ولا لعذابها ، إلا جهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض " انتهى .
"الفصل" (4 / 69-70)
راجع إجابة السؤال رقم : (45804) .
ثانيا :
يحشر الكافرون يوم القيامة كما وصفهم الله تعالى في قوله : ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ) الإسراء/97
وهذا يكون على حقيقته ، قال تعالى :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )
طه / 124-126
وروى البخاري (4760) ومسلم (2806) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : ( أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ) .
وقال السعدي رحمه الله :
" يحشرهم الله على وجوههم ـ خزيا ـ عميا وبكما ، لا يبصرون ولا ينطقون " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 467)
ثالثا :
الحشر على هذه الصفة يكون أول الحشر ، تبكيتا لهم وإظهارا لهوانهم على الله ، ثم يجعل الله لهم بعد ذلك أسماعا وأبصارا ومنطقا ، كما قال الله تعالى : ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) يونس / 54 ، وقال سبحانه : ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) الفرقان / 12 ، وقال عز وجل : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) الزخرف / 77 .
فلا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون في مبدأ الأمر ، ثم يردّ الله تعالى إليهم أبصارهم ونطقهم وسمعهم ، فيرون النار ويسمعون زفيرها ، وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع .
راجع : "أضواء البيان" (21 / 253-255)
قال ابن جرير رحمه الله :
" فإن قال قائل : وكيف وصف الله هؤلاء بأنهم يحشرون عميا وبكما وصما ، وقد قال : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ) فأخبر أنهم يرون ، وقال ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) فأخبر أنهم يسمعون وينطقون ؟
قيل : جائز أن يكون ما وصفهم الله به من العَمى والبكم والصمم يكون صفتهم في حال حشرهم إلى موقف القيامة ، ثم يُجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق في أحوال أُخَر غير حال الحشر " انتهى .
"تفسير الطبري" (17 / 559) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" قوله: ( عُمْيًا ) أي : لا يبصرون ( وَبُكْمًا ) يعني : لا ينطقون ( وَصُمًّا ) : لا يسمعون . وهذا يكون في حال دون حال " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 / 123) ، وينظر أيضا : (7 / 118) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب