أهل الجنة منزهون عن اللواط والسحاق
السؤال : أرجو الرد على سؤالي قرأت مسألة لأحد المشايخ يقول فيها " أن هناك من المحرمات التي لا يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الآخرة سواء من ذلك المطعومات أو المشروبات أو الأفعال والأقوال : فالسم مثلا لا يكون نعيما في الآخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح المحارم وغير ذلك لا تباح في الآخرة مع حظرها في الدنيا" سؤالي هنا: كيف توصل هذا الشيخ إلى هذه النتيجة أعني هل هناك دليل على أن اللواط والسحاق محرمان في الجنة ، أليس هذا يشكل إحباط لمن يحرُم نفسه اللواط في الدنيا ليباح له في الجنة أرجو إعطائي دليلاً أو حتى إقناعي فإني ضائع؟
الجواب :
الحمد لله
يغفر الله لك ، أليس فيما أحل الله غنية عما حرم ؟!
ألا يكفي الطيب المبارك ، حتى تهفو النفس إلى المحرم الخبيث ؟
ومتى احتاج أصحاب الفطر السليمة إلى التلهف على اللواط والسحاق ونكاح المحارم ؟!
إن الله تعالى وصف الجنة بقوله : (لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ) الطور/23 .
فأهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة ، والرغبات الدنيئة ، والمقاصد المشينة .
وقد وصف الله تعالى نساء أهل الجنة بقوله : (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/56 .
فهن قصرن أطرافهن عن الرجال ، فلا ينظرن إلى غير أزواجهن .
وقال تعالى : (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) الرحمن/72 .
قال السعدي :
" أي : محبوسات في خيام اللؤلؤ ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن ، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة ، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن " انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص/831) .
فهل يجوز أن يقال : وما يمنعهن من النظر إلى الرجال الأجانب ، وقد منعن أنفسهن منه في الدنيا لله ؟
وهل يجوز أن يقال : وما يمنعهن من الزنا والفحش وارتكاب الرذيلة ، وقد كن بمنأى عن ذلك في الدنيا ؟
لقد أغنى الله المؤمنين والمؤمنات في الجنة بفضله الدائم ، ومننه المتكاثرة ، بما أباح لهم فيها من النعيم الطيب عن طلب مثل تلك الخبائث ، التي لو لم ينه عنها في الدنيا لكان حريا بالكريم أن لا يقربها .
قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/31، 32
قال ابن كثير :
" في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس ، وتقر به العيون ، (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) أي : مهما طلبتم وجدتم ، وحضر بين أيديكم ، كما اخترتم " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (7/ 177) .
فهل يطلب المؤمن من ربه في الجنة ، تلك الفواحش المستقذرة ، وقد مَنَّ الله عليه بالحور العين ، اللاتي لو اطلعت إحداهن إلى أهل الأرض لملأت ما بينهما نورا ، كما روى البخاري (2796) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) .
وروى الطبراني في "الأوسط" (718) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا : يا رسول الله ، نفضي إلى نسائنا في الجنة ؟ فقال : (إي والذي نفسي بيده ، إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء) .
قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي : "رجال إسناده عندي على شرط الصحيح" .
"إعلام الموقعين" (4/ 274) .
ولا يعرف هذا الكلام فيما سأل عنه السائل إلا عن أهل البدع والضلال .
قال ابن مفلح في "الفروع" (6/71-72) ، نقلا عن ابن الجوزي :
"قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : لَا يَمْتَنِعُ جِمَاعُ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْشَاءُ الشَّهَوَاتِ لِذَلِكَ , فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ ... فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ , وَلَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْمَحَلُّ لِلْوَطْءِ" انتهى .
وأبو على هذا هو محمد بن أحمد بن عبد الله المعتزلي .
قال ابن الجوزي في ترجمته من "المنتظم" (9/20-21) :
" كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفسلفة والمنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر ، ولم يكن عنده من الحديث سوى حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري ولم يرو أبو الحسين غيره ، وهو قوله عليه السلام : (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) فكأنهما خوطبا بهذا الحديث ؛ لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة وعارضاها بها ، ومن فعل ذلك فما استحيا " انتهى .
وانظر : "الوافي في الوفيات" (ص/525) .
قال ابن عقيل :
"لا وجه لتصوير اللواط ؛ لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط ، إذ لا غائط"
انتهى .
"المنتظم" (9/22) .
وقد رأينا في هذا العصر من أهل الإلحاد من يدعي أن القرآن الكريم يغري العرب كي يعتنقوا الإسلام بأن الجنة التي تنتظرهم فيها غلمان سوف يطوفون عليهم ليمارسوا معهم الشذوذ الجنسي ، ويحتجون لذلك بمثل قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) الطور/ 24 .
والعرب أبعد الناس عن ممارسة الشذوذ الجنسي .
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (9/185) :
"والمقصود أن مفسدة " اللواط " من أعظم المفاسد ، وكانت لا تعرف بين العرب قديما ، كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم ، فلهذا قال الوليد بن عبد الملك : لولا أن الله عز وجل قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا" انتهى .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (4994) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب