حديث إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء
قرأت موضوعا نشر في المنتدى النسائي الذي أرتاده ، وهو موضوع عن " أحوال النساء في الجنة " لأحد المشايخ ، وبحثت في بعض الأحاديث الواردة في المقال فلم أعثر عليها ، وحديث : قيل يا رسول الله ! هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ فقال : إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء . الراوي : أبو هريرة - خلاصة الدرجة : تفرد بن الجعفي - المحدث: الخطيب البغدادي - المصدر: تاريخ بغداد - الصفحة أو الرقم: 1/388 فما معنى تفرد به ؟ وهل المقال المكتوب صحيح كل ما جاء فيه ؟
الحمد لله
ورد في عدد النساء اللاتي يفضي إليهن الرجل من أهل الجنة ، حديثان :
الحديث الأول :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَنُفْضِي إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ كَمَا نُفْضِيَ إِلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْضِي بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ ) رواه هناد بن السري في "الزهد" (1/87) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (رقم/261) ، وأبو يعلى في "المسند" (2/520) ، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (1/266)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (رقم/398) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (رقم/355) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن هشام بن حسان ، عن زيد بن الحواري وهو زيد العمي ، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف ، بسبب زيد بن الحواري العمي :
قال أبو زرعة : ليس بقوي ، واهي الحديث ، ضعيف . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال أبو داود : حدث عنه شعبة وليس بذاك. وقال الدارقطني : ضعيف . وقال ابن حبان : يروي عن أنس أشياء موضوعة لا أصول لها حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها ، وكان يحيى يمرض القول فيه ، وهو عندى لا يجوز الاحتجاج بخبره ، ولا أكتبه إلا للاعتبار . انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (3/408)
الحديث الثاني :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ ) رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (1/261) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/219) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (رقم/397) والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1/371) أيضا، جميعهم من طريق حسين بن علي الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة به .
قال الطبراني : " لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا زائدة ، تفرد به حسين بن علي " انتهى . "المعجم الأوسط" (5/263) وقال أبو نعيم أيضا : "تفرد به حسين عن زائدة" انتهى . ومعنى هذه العبارة أن حسين بن علي الجعفي هو الوحيد الذي روى الحديث عن زائدة بن قدامة بهذا السياق ، يعني عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة .
وهذا إسناد ظاهره الصحة ، لأن رواته ثقات ، سمع بعضهم من بعض :
ولذلك صحح الحديث أبو عبد الله المقدسي وقال: هذا الحديث عندي على شرط الصحيح " انتهى. نقلا عن تفسير ابن كثير (7/533)، وابن القيم في "حادي الأرواح" (210)، والسيوطي في "البدور السافرة" (451) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (367).
ويؤيد ذلك أيضا أن راوي هذه الطريق : حسين الجعفي ، قد روجع في روايته له من طريق أبي هريرة وأصر على تأكيد سماعه لها هكذا من زائدة ، وهما ثقتان من رواة الكتب الستة ، فلعل هشام بن حسان سمعه من هذين الوجهين ، فرواه بهما أيضا .
قال ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (رقم/261) : " حدثنا هارون ، قال : ثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
قال أبو موسى – هو هارون بن عبد الله أبو موسى البزاز الحافظ المعروف بالحمال ، شيخ ابن أبي الدنيا - : فقلت للحسين : إن أبا أسامة ثنا عن هشام ، عن زيد بن الحواري ، عن ابن عباس قال : هكذا ثنا زائدة ولم يرجع " انتهى .
لكن ذهب الإمام الدارقطني إلى إعلال هذا الإسناد ، بأنه خطأ على هشام بن حسان ، فالطريق المعروف لهذا الحديث عن هشام هو السابق في حديث ابن عباس ، يعني عن هشام عن زيد الحواري عن ابن عباس به ، أما طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة فهي خطأ من قبل بعض الرواة عن هشام أو من دونهم.
سئل الإمام الدارقطني رحمه الله عن هذين الحديثين فقال :
" يرويه هشام بن حسان ، واختلف عنه :
فرواه حسين ، عن زائدة ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة .
وخالفه ابن أسامة ، فرواه عن هشام ، عن ابن سيرين ، أنه قال ذلك عن ابن عباس . وهو أشبه بالصواب " انتهى. "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" (10/30) .
وقد سبق الإمام الدارقطني إلى إعلال هذه الرواية : الإمامان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان :
قال ابن أبي حاتم رحمه الله : " وَسَأَلْتُ أَبِي ، وَأَبَا زُرْعَةَ ، عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْجَعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ نُفْضِي إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ.
فَقَالا : هَذَا خَطَأٌ ، إِنَّمَا هُوَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
قُلْتُ لأَبِي : الْوَهْمُ مِمَّنْ هُوَ قَالَ : مِنْ حُسَيْنٍ " انتهى . علل الحديث لابن أبي حاتم (2/213) .
واجتماع هؤلاء الأئمة الثلاثة : وهم من نقاد الحديث ، وأهل البصر بالعلل ، على إعلال الرواية المرفوعة للحديث من طريق أبي هريرة ، يجعل من الصعوبة الجزم بصحته ، أو حتى ترجيح ذلك .
على أنه ، إذا فرضنا صحة الحديث ، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( إلى مائة عذراء ) لا يلزم منه أن يكون في كل يوم مائة عذراء أخرى غير ما كان له في اليوم السابق ، فالحديث يحتمل أن يكون المراد به بيان قدرة الرجل على الجماع ، وليس خصوص العدد ، ولا تعدد الزوجات إلى هذا الحد ، خاصة وأنه قد ورد أن الشهيد يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، وهذا أقصى ما صح في عدد الزوجات .
ثم إنه قد ورد في بعض الآثار – وإن كان فيها شيء من الضعف - أن الزوجة في الجنة ترجع عذراء بعد الجماع ، كلما رجع إليها زوجها وجدها كما كانت .
فهذا كله يمنع الجزم بأن للرجل في الجنة مائة زوجة ، أو أنه يجامع في كل يوم مائة زوجة جديدة غير زوجات الأمس .
وتفاوت القوة على الجماع في الجنة تكون بحسب تفاوت الأعمال ، وحفظ الشهوات عن الحرام .
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله :
" فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون ، ومن استوفاها هنا حرمها هناك ، أو نقص كمالها ، فلا يجعل الله لذةَ مَن أوضَعَ – أي غرق - في معاصيه ومحارمه كلذةِ مَن ترك شهوته لله أبدا " انتهى "حادي الأرواح" (347) .
ولمزيد من التفاصيل المتعلقة بالموضوع ، يرجى قراءة جواب السؤال رقم : (10053) ، (25843) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب