قالت عن نفسها : إنها غير مسلمة ، فهل تخرج بذلك من الإسلام؟
السؤال:
تزوج صديق لي مؤخرًا من فتاة نطقت بالشهادة وأسلمت قبل فترة قصيرة من الزواج ، ولكنها اعتادت أن تقول : "أنا غير مسلمة ، أنا مسيحية" عدة مرات . هل هذه العبارة تخرجها عن الإسلام حتى ولو كانت قد قالتها إثر غضب ؟ وهل عليها أن تنطق بالشهادة مرة ثانية وتعيد عقد النكاح من جديد ؟
الجواب :
الحمد لله
إذا قال المسلم عن نفسه : إنه غير مسلم ، أو : إنه مسيحي أو يهودي ، فهذا القول يعتبر ردة عن الإسلام ، ورجوعاً إلى الكفر .
قال الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله :
" وإن أتى بقولٍ يُخرجُه عن الإسلامِ ، مثلَ أن يقول : هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ أو بريءٌ من الإسلام ، أو من القرآنِ أو النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فهو كافرٌ مرتدٌ ، نأخذه بقولِه هذا " انتهى من"الشرح الممتع" (6/279) .
ولكن ليس معنى ذلك أن كل من قال هذا القول يكون كافراً مرتداً ، بل له أحوال ، وقد يكون هناك مانع من موانع الحكم عليه بالردة .
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه شروط الحكم على المسلم بالكفر فقال :
"وعلى هذا ، فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أن ينظر في أمرين :
أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر .
الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه وتنتفي الموانع .
ومن أهم الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً لقوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/115 .
وقوله : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التوبة/115.
ولهذا قال أهل العلم : لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يبين له .
ومن الموانع : أن يقع ما يوجب الكفر بغير إرادة منه ، ولذلك صور :
منها : أن يكره على ذلك ، فيفعله لداعي الإكراه ، لا اطمئناناً به ، فلا يكفر حينئذ . لقوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106 .
ومنها : أن يغلق عليه فكره ، فلا يدري ما يقول ، لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك .
ودليله : ما ثبت في صحيح مسلم (2747) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا ، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)" انتهى من كتاب "القواعد المثلى" من "مجموع الفتاوى" (3/343 ، 344) .
وعلى هذا ؛ فينظر في حال من قالت عن نفسها : إنها غير مسلمة ، إنها مسيحية .
إن كانت هذه الكلمة جرت على لسانها بدون قصد منها ، وأخطأت في الكلام ، فلا تكفر في هذه الحال ، وتكون معذورة ، كهذا الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح وقال : (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) .
وإن كانت قد قالت هذه الكلمة من شدة الغضب ، بحيث صارت لا تتحكم في نفسها من كثرة الانفعال وشدته ، فهي معذورة أيضاً لا يحكم عليها بالكفر ، ويدل لهذا :
"قصة موسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم ، وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة الغضب ، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح ، ولا بجر أخيه هارون وهو نبي مثله ، ولو ألقاها تهاوناً بها وهو يعقل لكان هذا عظيماً ، ولو جر إنسانٌ النبيَّ بلحيته أو رأسه وآذاه لصار هذا كفراً .
لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم لله عز وجل على ما جرى من قومه سامحه الله ، ولم يؤاخذه بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه" انتهى .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/375 – 377) .
وإلقاء موسى عليه السلام للألواح ، دل عليه قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) الأعراف/150 .
أما إذا كانت قد قالت ذلك باختيارها وقصدها ، أو كان الغضب لم يصل منها إلى الحد الذي يغطي على عقلها ، ويؤثر على اختيارها وإرادتها ، فهذا الكلام يعتبر كفراً وردة عن الإسلام؛ خاصة في حق من اعتاد ذلك ، كما ورد في السؤال ؛ فإن أمره خطير ، وقد يدل على عدم تمكن الإيمان من قلبه .
بل إن إجراء مثل هذه الألفاظ خطر على دين صاحبه ، أي خطر ، حتى ولو لم يكن في باله الخروج من دين الإسلام ، حتى لو لم يكن على علم بعظم ذلك ، وخطره على دينه .
عن عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا)
رواه (22497) وأبو داود (3285) والنسائي (3772) وابن ماجة (2100) وصححه الألباني.
ثانياً :
أما كيفية رجوعها إلى الإسلام - إن كان حال الكفر قد انطبق عليها - فهي بالنطق بالشهادتين مرة أخرى ، والتبرؤ من كل دين يخالف دين الإسلام .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (7057) .
ثالثاً ::
أما تأثير ردتها - لو كانت قد ارتدت فعلاً - على النكاح ، فإن كانت قد ارتدت قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال عند عامة العلماء ، فلا بد من إعادة العقد بعد إسلامها .
وإن كان ذلك بعد الدخول ، فالأمر موقوف على انقضاء العدة ، فإن رجعت إلى الإسلام في فترة العدة ، فهما على النكاح السابق ، وإن كان ذلك بعد انتهاء العدة انفسخ النكاح .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (132976) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب