حال البوصيري وقصيدته "البُردة" وهل يجوز طبعها وإنشادها بعد تنقيتها ؟
لقد سمعت أغنية ! تسمَّى " قصيدة البردة " ، وسمعت على موقعكم أن بها شيئاً من الشرك ، ولكنني فيما سمعت لم أر ما يدعو للشرك . وسؤالي هو : إذا ما قمنا بحذف هذه الجمل التي تدعو للشرك : فهل تكون حلالاً في سماعها وقراءتها أم أنني أشرك بقراءتها ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
قصيدة " البردة " هي للبوصيري أبي عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي ، مصري النشأة ، مغربي الأصل ، شاذلي الطريقة ، توفي سنة 696 هـ ، وهو ليس من أهل العلم ، ويخلط كثيرون بينه وبين بوصيري آخر من أهل العلم وهو المحدِّث المشهور صاحب " زوائد ابن ماجه " ، وهو أحمد بن أبي بكر الكناني ، وقد توفي سنة 840 هـ ، وكان مِن تلامذة الحافظيْن العراقي وابن حجر رحمهما الله ، وانظر ترجمته في " شذرات الذهب " (9 / 340 ).
ثانياً:
والقصيدة المذكورة فيها مخالفات في كثير من أبياتها – وتبلغ 16- بيتاً – وأعظمها الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكنَّا قد ذكرنا شيئاً مما احتوته بعض أبياتها من غلو ومخالفات للشرع ، وذلك في جواب السؤال رقم ( 115502 ) ، فلينظر .
وقد نقد مخالفات تلك القصيدة علماء وطلبة علم أفاضل ، بعضهم في كتب مستقلة ، وآخرون ضمنوا الرد عليها بعض كتبهم ، وطائفة تولت ذلك النقد في مقالات خاصة ، ومن هؤلاء :
1. الإمام الشوكاني ، ضِمن " الدرّ النضيد في إخلاص كلمة التوحيد " .
2. شرّاح كتاب " التوحيد " للإمام محمد بن عبد الوهاب ، كالشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في " تيسير العزيز الحميد " ، والشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في " فتح المجيد " ، الشيخ العثيمين في " القول المفيد " ، والشيخ صالح آل الشيخ في " التمهيد في شرح كتاب التوحيد " ، وغيرهم .
3. الشيخ الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين ، وقد ألَّف رسالة خاصَّة في الردّ عليها بعنوان " الرد على البردة " ، وهي مطبوعة في آخر كتاب " الشيخ العلاّمة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية " للدكتور علي بن محمد العجلان .
4. الشيخ محمود شكري الألوسي ضِمن كتابه " غاية الأماني في الرد على النبهاني " .
5. الشيخ صالح الفوزان ضمن كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " .
6. للشيخ عبد البديع صقر ، في كتاب خاص بعنوان " نقد البردة مع الرد والتصحيح " .
7. الشيخ محمد جميل زينو ، ضمن كتابه " معلومات مهمة عن الدين " .
8. مقال للشيخ الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف نُشِر في مجلّة " البيان " عدد رقم 139 ، بعنوان " قوادح عقدية في بردة البوصيري " .
9. عبد الرءوف محمد عثمان ضمن كتابه " محبة الرسول بين الاتباع والابتداع " .
10. مقال للأستاذ سليمان بن عبد العزيز الفريجي نُشِر في مجلّة " البيان " عدد رقم 139 ، بعنوان " مظاهر الغلو في قصائد المديح النبوي " .
11. مقال للشيخ علوي السقاف ، بعنوان " قراءة في بردة البوصيري وشعره " .
وفي هذا المقال أبان كاتبه – وفقه الله – عن حال البوصيري الذي جعله أهل الطرق إماماً ، فكان مما ذكر من حاله أن قال :
والبوصيري كان ممقوتاً ؛ لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح وذكره لهم بالسوء في مجالس الأمراء والوزراء ، سيء الخلق مع زوجته وغيرها ، شحَّاذاً ، مضطرباً في شخصيته ، فتارة يمدحُ النصارى ويذُمُّ اليهود ، وتارة يمدح اليهود إرضاءً للنصارى ، وتارة يذم الاثنين معاً ، وكان كثير المدح للسلاطين طمعاً فيما عندهم ، وهذا ليس غريباً على الشعراء لكنه ليس من صنيع العلماء ، أضف إلى ذلك أنَّ له أبياتاً كثيرة في " البردة " و " الهمزية " وبقية قصائده الواردة في ديوانه فيها من الغلو ما يصدِّق قول منتقديه فيه ... .
ثم ذكر أمثلة من شعره على ما سبق ذِكره من حاله .
انظر البحث بكامله هنا :
http://www.dorar.net/art/53ثالثاً:
ولما سبق ذِكره من حال قائل القصيدة ، ولما فيها نفسها من غلو ومخالفات شرعية كثيرة متفرقة في أنحائها ، ولما في نشرها من تزكية لقائلها ، ولعدم تفريق الناس بين الصواب والخطأ فيما يطرق سمعهم : نرى أنه لا يجوز نشر تلك القصيدة ، ولا الثناء عليها ، ولا إنشادها ، ولا الترويج لها ، وما فيها من أبيات خلت من مخالفات شرعية لا يشفع لكي تُنشر على الناس .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة ؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة ، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة ، فالحق مقبول ممن جاء به أيّاً كان ، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان .
" فتاوى نور على الدرب " ( شريط 335 ) .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله - :
بعض المكتبات في المولد تصور وتطبع المدائح التي قيلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم كالبردة فهل لي أن أبلغ عنهم الجهات المختصة ؟ .
فأجاب :
نعم ، بلِّغ عنهم الجهات المختصة .
" شرح سنن الترمذي " ( شريط 304 ) .
هذا بخصوص طبعها ونشرها ، أما بخصوص اختيار أبيات من الشعر منها ليس فيها مخالفة للشرع من غلو أو غيره لإنشادها : فينبغي ترك ذلك ؛ بسبب الهالة العظيمة التي جُعلت للقصيدة وقائلها حتى تُليت على المنابر ، وأمام الجنائز ، وفي الأفراح والأحزان والموالد ، وقد شُرحت بأكثر مما شرحت به كتب الحديث النبوي ! ، ولولا تلك الهالة وذلك الحال الذي للقصيدة وقائلها لما منعنا من اختيار أبيات موافقة للشرع لتُنشد .
والله أعلم
موقع الإسلام سؤال وجواب