رسائل جوال تنشر الكهانة
السؤال : انتشرت في هذه الأيام رسائل الـ "sms" ، والتي تحتوي على بعض الرموز والأرقام والحروف ، ثم يُطلب من الشخص أن يختار إحداها ، فيُرسل إليه رسالة تخبره عن شيء في المستقبل ، أو عن شخصيته . هي في الحقيقة عبارة عن لعبة ، كما لو أني جلست وكتبت بعض العبارات عن المستقبل ، وأعطيت كل عبارة شكلا ، أو رمزا ، أو حرفا محددا ؛ ثم أطلب من أحد الأشخاص أن يختار إحداها . فهل في ذلك محذور شرعي ؟ وهل يُعتبر هذا نوع من التنبؤ بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ؟ وهل الرد على مثل هذه الرسائل معصية ؟ وجزاكم الله خيرا ً .
الجواب :
الحمد لله
علم الغيب من الأمور التي استأثر الله تعالى بها ، واختص بها نفسه جل وعلا ، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل ، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب ، متى شاء وإذا شاء .
وبذلك جاءت الآيات والأحاديث .
قال سبحانه وتعالى : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) هود /123
وقال تعالى : ( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) يونس/20
وقال عز وجل : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الكهف/26
وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ) آل عمران/179
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الأنعام/50
قال الطبري رحمه الله : " قل لهؤلاء المنكرين نبوتك : لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السماوات والأرض ، فأعلمَ غيوب الأشياء الخفية ، التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء ، فتكذبوني فيما أقول من ذلك ؛ لأنه لا ينبغي أن يكون ربا إلا من له ملك كل شيء ، وبيده كل شيء ، ومن لا يخفى عليه خافية ، وذلك هو الله الذي لا إله غيره "
"تفسير الطبري" (11/371) .
وقال عز وجل : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) النمل/65
قال القرطبي رحمه الله :
"لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ، ثم يكون له في ذلك شريك ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) وقوله تعالى : ( لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ) ، فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يَشْرَكُه فيه غيره " انتهى .
"تفسير القرطبي" (4/17)
وهذا الذي تسأل عنه هو من باب الكهانة والتنبؤ بالغيب ، والرجم بالظن الكاذب ، وهو من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) .
القسم الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله عز وجل ، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب ، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى : ( قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ) النمل/65 . ولهذا جاء في الحديث الصحيح : ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .
القسم الثالث : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس ، وأنها كهانة وتمويه وتضليل ، وهذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد ، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له ؟ فقال : الدخ ـ يريد الدخان ـ . " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وما ورد في السؤال من أن هذه الرسائل عبارة عن لعبة ، ليس صحيحا ، وإنما هو كهانة ظاهرة ، ودجل وشعوذة . ثم على افتراض صحة ذلك : فليس هذا مجال اللعب والتسلية ، إنما ذكر أمر دين ، وقضية إيمان وكفر ؛ فكيف نقبل من السفهاء أن يلعبوا بأديان الناس ، وعقائدهم ، كهذا الذي ذكر في السؤال ؟!!
قال الله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة/65، 66
ثم إن هؤلاء الذين يرسلون هذه الرسائل لا يقصدون بذلك الجهد والتعب : مجرد اللعب ، إنما يقصدون أكل أموال الناس بالباطل ، ونشر الضلال ، والترويج للدجل والكهانة . فليست هذه الأمور من قبيل اللعب والتسلية بوجه أصلا ، إلا عند من توجه عنده الاستهزاء بآيات الله .
فعليك - أخي المسلم – الابتعاد عن هؤلاء القوم المفسدين ، وعن ضلالهم ، وإياك ومراسلتهم والتعاون معهم ، وموافقتهم أو مخالطتهم بحال ، فإن الله تعالى يقول في كتابه :
( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140
ثم ننصحك بالمسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل : إن كنت قد حسنت الظن بحال هؤلاء المشعوذين ، أو دخلت معهم في باطلهم ، ولو على وجه اللعب ؛ وإن من تمام توبتك : أن تنصح من تعلمه من إخوانك ، ممن ابتلي بها ، بحكمها في دين الله ، وخطرها على دينه وإيمانه .
نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الإيمان ، ويقينا شر الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
وراجع إجابة السؤال رقم (32863)
الإسلام سؤال وجواب