مقدمة
تتميز المناطق الصحراوية بسيادة التبخير وندرة الترسيب (المطر) إلا أنه قد
توجد المياه فى باطن بعض هذه المناطق تجرى مثل الأنهار السطحية فى طبقات
حاملة للماء محصورة بين العديد من طبقات الارض المختلفة .
وأحيانا تخرج المياه على صورة عيون بدون اى تدخل كما فى الواحات ..ولكن
برغم ذلك قد يستلزم الامر حفر الآبار العميقة لاستخراجها مهما كانت
التكلفة .. فنقطة الماء فى عصرنا هى اثمن من البترول للاجيال القادمة....
لذلك تعتبر المياه فى الصحراء من عناصر الندرة والتكلفة أيضا ..إلا أن
الزراعة فى هذه الصحراء يتوفر لها ظروف مثالية وأهمها دفىء المناخ فى
الشتاء مما يجعلها بيوت دافئة طبيعية Natural hothouses للمحاصيل الشتوية
برغم ان تكلفة مياه الرى فيها ليست بسيطة مما يحتم ان يكون العائد منها
مرتفعا بالتبعية.
وفى حقيقة الامر فان الزراعة الصحراوية بدات فى الانتشار منذ إقامة
القناطر الخيرية فى سنة 1861 وشق الرياح البحيرى والذى أدى توصيل مياه
النيل من خلاله الى زراعة مساحات كبيرة من الاراضى الصحراوية بغرب الدلتا
المتاخمة لمحافظة البحيرة . وتكررت المحاولة فى شرق الدلتا بعد شق ترعة
الاسماعلية حيث تم استصلاح واستزراع مساحات اخرى من الاراضى الصحراوية ضمن
نطاق محافظة الشرقية.
ثم بدأت الدولة أولى تجارب زراعة الصحراء سنة 1954 بانشاء مديرية التحرير
ثم تكفلت الدولة بتوصيل مياه النيل بالرفع الى ترعة النوبارية وترعة النصر
لتخترق الصحراء غرب الدلتا وتنتشر الزراعة الصحراوية المدعومة بالمياه
السطحية وواكب ذلك استخدام تكنولوجيا الرى بالرش Sprinkler irrigation
system ولكن كان على استحياء بين قبول ورفض نظرا لحداثة النظام وعدم توافر
الخبرة او العمالة الفنية. وبحلول عام 1979 تم انشاء مشروع الصالحية وادخل
به نظام الرى المحورى وتوالى بعد ذلك التوسع فى زراعة الصحراء ومازلنا فى
الطريق لتغير مفهوم الزراعة والانسان المصرى والتحول الى الزراعة
الصحراوية من خلال اطار شامل لتعظيم الاستفادة من هذه الاراضى مع المحافظة
على المساحة المتبقية من أراضى الوادى والدلتا وخلق مجتمعات حضارية جديدة
بداخل الصحراء حيث بدأ انتشار وتوزيع السكان فى المناطق الصحراوية يلاقى
القبول عند البعض بعد ان تدهورت الحياه فى الوادى والدلتا نتيجة اكتظاظ
هذه المساحة المحدودة بالبشر والمشاكل المتزايدة فى الخدمات والتلوث
...الخ.
ومن المسلم به أن الارض الزراعية Soil تنتج جميع أصناف المواد الغذائية
للانسان والحيوان طالما توافرت عناصر الانتاج وأهمها الارض والماء .فالارض
والماء تؤمان لاينفصلان إذا أردنا الغذاء والحياه وبالتالى
الاستقرار.ويمكن القول بانهما وجهان لعملة واحدة.
وكما ذكرتا فانه نظرا لأهمية نقطة الماء وندرتها فى الصحراء..لذا قد يتحتم
علينا استعمال مياه مملحة رغم معرفتنا مسبقا بانها مياه ذات صفات غير جيدة
ومع ذلك فان الزراعة فى الصحراء تتطلب تقليل استخدام واستهلاك هذه المياه
ويحتاج هذا منا الى استخدام التكنولوجيا المتطورة (الرى الضغطى) والتى هى
فى الغالب عالية الثمن ومكلفة .
ومن المعروف ان الارض لاتروى الا عندما تجف ، أى عندما يستهلك جزء كبير من
المياه التى أضيفت فى الرية السابقة ويعنى هذا أن محلول التربة يزداد
تركيزه كلما جفت التربة نظرا لان التبخير أو النتح ماهو الا فقد للماء من
التربة مع بقاء أغلب الاملاح الذائبة فى المحلول الارضىويتبع ذلك فى الرية
الثانية حدوث تخفيف للمحلول الارضى وبالتالى ينخفض تركيزه مرة اخرى.. أى
أن جذور النبات فى الاراضى المروية تعيش دائما فى وسط متغير التركيزمن وقت
الى اخر .وهذا التغير المتواصل فى التركيز ذو أهمية كبيرة جدا خصوصا فى
الطبقة السطحية للتربة Soil surface layer حيث يوجد أغلب الجذور وحيث أعلى
تبخيرأيضا.من هنا فان تتابع الرى بطريقة تحافظ على خفض تركيز الاملاح فى
هذه الطبقة الى الحد غير الضار للنبات هو الهدف المنشود خاصة عند استخدمنا
للمياه الغير جيدة المواصفات فى الاراضى الصحراوية الرملية ويساعد على هذا
انها أراضى تتصف بالصرف الطبيعى عالى الكفاءة والتى تشبه الغربال لما لها
من نفاذية عالية حيث أنها لاتحتفظ بكميات كبيرة من الرطوبة ويترتب على ذلك
الاقلال من تراكم الاملاح فى منطقة جذور النبات
وبالتالى فان العيوب التى تنسب الى الاراضى الرملية تصبح مميزات لها عند استخدام المياه الملحية للرى.
ولابد لن نعلم انه فى حقيقة الامر انك عندما تروى فانك لاتروى النبات
ولكنك تروى التربة ثم ياخذ النبات بعد ذلك احتياجاته المائية من التربة
..وكذلك ايضا ياخذ من التربة احتياجاته الغذائية ..اى ان التربة تمد
النبات بكل مايحتاجه من مقومات حياته ..لذلك دائما نقول ان النبات هو
الابن الشرعى للتربة.
وقد أدى التطور فى تكنولوجيا الزراعة وطرق الرى وإنتخاب النباتات المقاومة
للملوحة الى إمكانية إستخدام هذه المياه فى الزراعة الصحراوية وحدث اكبر
ثقدم فى المعرفة والتقنية لاستخدام المياه الملحية فى الزراعة عند انتشار
الرى بالتنقيط Drip irrigation system.
وزيادة الحاجة الى الماء بالصحراء والتى تعتبر ندرة الماء أحد سماتها
الطبيعية والذى يتبع هذه الحقيقة انه كلما زادت الحاجة الى الماء كلما زاد
الوعى المائى بالضرورة .
وبناء على ماتقدم فان الزراعة الصحراوية تحكمها ثلاث قواعد هى
1- أن مايزرع من ارض مرهون بمقدار ما يتاح لها من ماء.
2- أن حسن اختيار الارض التى تستصلح وتستزرع يعتبر وسيلة من وسائل زيادة كفاءة استخدام الماء.
3- أن حسن اختيار النباتات التى تزرع يعتبر وسيلة من وسائل الاقتصاد فى الماء وبالتالى زيادة العائد من الماء المتاح.
وتعالوا سويا نناقش هذه النقاط الثلاثة بموضوعية مبسطة:
النقطة الاولى نقول فيه
أن مايزرع من ارض مرهون بمقدار ما يتاح لها من ماء ويكون ذلك بالآتى
نفترض ان المتوسط العام لرى الفدان (وحدة المساخة) يوميا
هو 20متر مكعب يوميا
فاذا كان الماء المتاح سواء من المياه السطحية او المياه الجوفية باستخدام
مضخة للرفع (طلمبه) تصرفها الفعلى 200 متر مكعب فى الساعة وتعمل يومي لمدة
12ساعة
اذن فان مساحة مايزرع من أرض طبقا لما هو متاح من ماء يكون
مساحة الاراضى التى يمكن زراعتها= 200م3/ساعة × 12ساعة / 20م3/فدان/يوم
= 120فدان
اى ان فى هذه الحالة تستطيع حضرتك زراعة مساحة 120 فدان وبشكل اقتصادى.
وناتى للنقطة الثانية
وهى كيف أن حسن اختيار الارض التى تستصلح وتستزرع يعتبر وسيلة من وسائل زيادة كفاءة استخدام الماء؟
نقول انه من المعروف أن قوام التربة Soil texture يتحكم فى كل من قدرة
الارض على الاحتفاظ بالماء وكذلك معدل نفاذ الماء خلال قطاع التربة. كما
انه من المعروف ايضا ان الاراضى ذات القوام الناعم (الثقيلة) مثل الاراضى
الطينية او الجيرية تحتفظ بمقدار اكبر مقارنة بالاراضى ذات القوام الخشن
(الخفيفة) مثل الاراضى الرملية.
ولذلك نجد انه لترطيب 10سم من قطاع الارض الثقيلة يحتاج الى كمية من مياه الرى مقدارها
4200م2(الفدان) ×0,1م (الـ 10سم) ×30 % (السعة الحقلية للارض الثقيلة)
= 126م3 ماء
(السعة الحقلية Filed capacity ببساطة شديدة ..هى اقصى كمية من مياه الرى
يمكن ان تحتفظ بها التربة ..وعندها يمكن لجذور النبات ان تمتص الماء
والمغذيات من التربة)
وفى المقابل فانه لترطيب نفس الـ 10 سم من قطاع الارض الخفيفة القوام فاننا نحتاج الى كمية من مياه الرى مقدارها
4200م2(الفدان) ×0.1م (الـ 10سم) ×10 % (السعة الحقلية للارض الخفيفة)
= 42م3 ماء
وايضا فان العمق الذى يتم ترطيبه فى الاراضى الخفيفة يكون اكبر بالطبع من
العمق الذى يتم ترطيبه فى الاراضى الثقيلة لنظرا لاختلاف النفاذية فى
الحالتين كما ذكر.
بالاضافة الى ان الاراضى الخفيفة لاتحتاج الى عمليات غسيل Leaching نظرا
لعدم تراكم الاملاح مع الرى أيضا لزيادة نفاذيتها للماء وبالتالى الصرف
الطبيعى المميز .. كما ان الماء الميسرللنبات بها اعلى من الاراضى الثقيلة
بالطبع وذلك من خلال الحسابات المنطقية التى لاتخطىء (الماء الميسر
Available water يساوى نصف السعة الحقلية للتربة).
وهنا لايختلف اثنان ان حضرتك يمكنك اللجوء الى اختيار الاراضى الخفيفة كلما كان ذلك ممكنا حتى يمكن زيادة الاستفادة من الماء المتاح.
وناتى للنقطة الثالثة والاخيرة وهى
كيف أن حسن اختيار النباتات التى تزرع يعتبر وسيلة من وسائل الاقتصاد فى الماء وبالتالى زيادة العائد من الماء المتاح؟
من المعروف لدينا ان انتاجية المحصول تتوقف الى حد ما على كمية المياه
التى استهلكها النبات ولكن عند مستوى معين من الانتاجية تصبح الزيادة فى
المحصول لاتتوقف بعد ذلك على زيادة كمية الماء بل على عوامل النمو الاخرى.
ونجد ان كثير من الاخوة المزارعيين مازال يعتقد بان زيادة كمية الماء التى
تروى بها الارض سوف تؤدى الى زيادة الانتاج ووفرة فى المحصول وهذا بدون شك
فكر وتقليد خاطىء بل يصبح امرغير مقبول اقتصاديا.. ولابد ان يدرك جميع
الاخوة المستثمرين والمزارعين ان زيادة الانتاج لاترتبط بكثرة الماء بقدر
ماترتبط بتوفير عوامل النمو الاخرى المحددة للانتاج غير الماء
ومن هنا نوجه العناية الى هذه الحقيقة العلمية وهى ضرورة ضبط عملية الرى
وربطها بمعدل الانتاجية عند اقامة مزرعة جديدة او عند ادارة مزرعة قائمة
خاصة عندما تكون المياه غالية الثمن .
ويجب ان نعلم ان امتصاص النبات للماء يحدث اساسا فى الطبقة السطحية من
التربة ويقل بشدة مع العمق.ولذلك فان كمية الماء التى تمسك فى الطبقة
السطحية هى من احسن العوامل فى تقدير انتاجية المحصول وبناء على ذلك فانه
من الضرورى الاعتناء بهذه الطبقة السطحية البسيطة سواء فى الرى او التسميد
وباقى العوامل المحددة للانتاج وعدم تعريضها لعوامل التدهور والتلف.
وبالتالى فانه مطلوب من كل مزارع ان يوفر كل عناصر الانتاج والادارة
الجيدة للتربة والمياه ويجب بذل المزيد من المحاولات للاستغلال الامثل
للتكنولوجيا المتاحة. والفرق يتضح بين ما يقوم به المزارع العادى والمزارع
الناجح ..فالمزارع الناجح يصل انتاجه الى ضعف ماينتجه المزارع العادى او
متوسط النجاح.
فاذا كنا نريد الخروج من الازمة الاقتصادية الحالية باسرع مايمكن فلابد لنا من زيادة الانتاج.
واذا اردنا الطعام من انتاجنا فلابد من زيادة الانتاج.
واذا اردنا توفير المواد الخام للصناعة من المنتجات الزراعية فلابد من زيادة الانتاج.
والاراضى الصحراوية الجديدة لها النصيب الاكبر فى ذلك من الاراضى القديمة
ولذلك لابد من تطبيق التكنولوجيا الحديثة والادارة العلمية السليمة فى زراعة كل من الاراضى الجديدة والقديمة.
وليس هذا يااخوانى كلاما نظريا..فقد اصبحت التكنولوجيا المتقدمة مثل قوى
الطبيعة تغير جميع اوجه الحياه على الارض وتساعد فى بناء اقتصاد الدول
وتغير انماط وعادات الشعوب وتحول دولا متخلفة الى دول قوية متحضرة..ونعتقد
اننا لسنا اقل من هؤلاء .