عجيب امر اهل القرآن وخاصته , فما قابلت واحدا
منهم قد بلغه الهرم الا ووجدته متماسك
الذاكرة متوقد الذهن وكأن الايام لم
تبلغ منه مبلغها وان الكبر لم ينل
من قدراته العقلية والذهنية مناله, الامر
الذي دفعني الي التوقف
والتدبر في هذه الحالة التي قد نمر عليها دون ان
نجد لها واضح تفسير او
تعليل.
معلوم ان اية
معلومة مرئية او محسوسة او مسموعة او متذوقة او جلبتها حاسة
الشم يتم تخزينها داخل خلايا المخ في
مركز الذاكرة منه في صورة جزئيات من
البروتينات يتم تصنيعها داخل
الخلايا العصبية للمخ , هذه البروتينات تحمل
في طياتها ابعاد وموصفات
تلك المعلومات الحسية , والتي تتمركز اول الامر في
بؤرة الشعور العقلي
ثم تتحول مع تقادم الزمن وعدم استدعائها الى حاشية
الشعور وهذا ما يكون
رصيد الخبرة المتراكم للانسان. وكلما تم استدعاء هذه
المعلومات بصفة
مستمرة كلما ظلت حاضرة في بؤرة الشعور وكلما تم تجديد
مكنونها داخل
خلايا المخ او انها تتهالك بدرجة او باخري في حال عدم
استخدامها نتيجة
لحدوث تحلل جزئ او كلي للبروتين الذي يحمل هذه المعلومة
داخل خلايا
المخ.
وكلما تقادم عمر
الانسان وظهرت عليه اعراض الشيخوخة وتحت
التأثير المتراكم للعوامل البئية المحيطة به مع مرور الزمن وحدوث تدهور
بيولوجي
لقدرة الخلايا بصفة عامة ومنها خلايا المخ على اداء وظيفتها فان
المخ
يفقد كثير من قدرته علي التذكر والاداء العقلي بدرجة او باخري حتي يصل
الانسان في وقت ما غير قادر علي الاداء العقلي ( لكي لايعلم من بعد علم
شيئا
).
اذا ما الذي يحدث
في حالة اهل القرأن وبخاصة محفظي
القرآن ؟ قلت ان الاجابة على هذا التساؤل تشمل شقين احدهما تفسير علمي
والاخر ايماني , فاما التفسير العلمي فيحتوي علي جزئيتين , اما الاولى
منها
ان المخ بصفة عامة ومركز الذاكرة بصفة خاصة كلما تم تشغيله فانه
تزداد
كفاءته وقدرته ومن ثم يظل محافظا علي قدرته في اداء وظيفته بشكل
جيد لفترة
طويلة واما الشق الاخر فان تكرار استدعاء المعلومات الخاصة
بحفظ القران
تلاوة وحفظا يجدد باستمرار تصنيع البروتين المكون لهذه
المعلومات داخل
خلايا المخ ويؤكد عليها ويجعلها دائما في بؤرة الشعور.
اما الشق الايماني فان الله سبحانه وتعالي تعهد
بحفظ كتابه فقال عز من قائل (
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) وكون
ان كلام الله اصبح الآن
جزء من مكون المخ لاهل القرآن في صورة جزئيات
البروتين المو جودة
بالخلايا العصبية للمخ فان الله بحفظه لكتابه يحفظ
القالب الذي يحمله ,
الا وهو المخ , طالما انه يؤدي الوظيفة المنوطة به في
حفظ القرآن
وتعهده وتعليمه للاخرين حتي تنتهي رسالته في الحياة لينتقل الي
حياة
اخرى ينقله فيها القرآن نقلات اخرى أعظم
وأكرم واكبر.
اما حالة وجل القلب وقشعريته عند اهل
القرآن حال تلاوتهم له , فقد سجل
العلم
الحديث فيها , ان القلب توجد به خلايا تشبه الخلايا العصبية هي
مسئولة
عن حالة الشعور من الحب والكره والخوف والوجل والشجاعة والاقدام
واللذة
والالم واحاسيس اخري , وهي تلك المشاعر التي يجد الانسان اثارها في
قلبه
مترجمة الي حالات الانقباض او الانبساط وزيادة ضربات القلب وانخفاضها.
كل ذلك مرده الي ترجمة هذه الاحاسيس القلبية الي جزئيات بروتين تتكون داخل
الخلايا العصبية بالقلب يتم استدعاؤها كلما مرت ايات القران علي القلب
اليقظان
وليس الغافل فيشعر العبد بأثر القرآن في قلبه فيدعه مخضرا بالايمان
قد
اضاء القرآن جوانحه فيشعر بلذة يجد اثرها في قلبه وصدق رسول الله (
اللهم
اجعل القرآن ربيع قلوبنا).
ولا عجب عندما تسمع دعاء ابا بكر الصديق ( اللهم اخلطه بلحمي وعظمي ودمي ) ,
فان الدم يمر علي
القلب المستضئ بالقرآن كما يمر علي العقل المستنير بكلام
الرحمن فتتاثر
جزائياته بنور القرآن المتمثل في جزئيات البروتين المرتكزة
داخل
الخلايا العصبية للقلب والمخ والمترجمة لمشاعر الحب لله واللذة والشوق
اليه والوجل والخوف منه فيحمل هذا الاثر معه الي اجزاء الجسم المختلفة فلا
تجد جارحة الا واحدث القرآن فيها اثره قربا من الله بطاعته وبعدا عن
معصيته
وحفظا من كل شيطان مريد .
فاللهم اخلطه بلحومنا وعظامنا ودمائنا.
اذا كانت هذه من كرامات اهل القرآن في الدنيا فان لهم
كرامات اخري بنور في
الوجه ورجاحة في الرأي وحكمة في العقل وقبول بين
الخلق , اما كرامتهم بعد
الموت فالقرآن يحاج عنهم في القبر ويشفع لهم
يوم العرض , ويحفظهم من الزلل
علي الصراط ويرفعهم في الجنة درجات فان
درجتهم في الجنة عند اخر اية
يقرؤنها في الدنيا .
فاللهم نسألك ان تجعلنا من اهل القرأن
وخاصته.