ما الذي جعل الشعب الإيراني شيعة؟ ولأكثر من ألف سنة كانت أرضاً
إسلامية مثلها في ذلك مثل جميع الأقطار الإسلامية الأخرى، ولكن قبل حوالي
أربعة قرون كانت هناك قصة مؤلمة غيرت مصير الإيرانيين جيلاً بعد جيل:
نعم، ظلت إيران ما يقرب من تسعة قرون من الزمان تتبع مذهب أهل السنة
والجماعةمنذ سقوط الدولة العباسية آخر دول الخلافة السنية، فكانت الصبغة
السنية ظاهرة فيها، وواضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها غير أن بعض
القبائل التركية الساكنة في منطقة أذربيجان بعد سقوط الخلافة العباسية
اعتنقت المذهب الشيعي الإمامي مثل قبائل القزلباشية وجنحت إلى التصوف،
وكانت تتبع فرقة صوفية تسمى الفرقة الصوفية نسبة إلى جده الأكبر، فكانت هذه
الدولة أول دولة شيعية إمامية تقوم بصفة رسمية، وتبسط نفوذها على سائر
الأراضي الإيرانية، ويعتبر عام 906 هـ بداية حقيقية لقيام الدولة الصفوية
الشيعية، فقد جلس إسماعيل الصفوي على العرش في مدينة تبريز، واتخذ لقب
الشاه أي الملك كما اتخذ هذه المدينة عاصمة لدولة الصفويين الشيعية.
وأول عمل قام به إسماعيل الصفوي أن أعلن المذهب الشيعي الإمامي مذهباً
رسمياً للدولة الصفوية في عام 907 هـ لعموم إيران،وفعل كل ما في وسعه من
قتل وتذبيح يفوق الوصف من أجل تنفيذ هذه الرغبة، ومن أسوأ ما قام به في
أثناء حكمه أن أرسل مجموعة من المشاغبين ليدوروا بين الأحياء والأزقة،
ويقوموا بشتم الخلفاء الراشدين، ولقد أطلق على تلك المجاميع اسم (برائت
جويان) المتبرئون من الخلفاء الراشدين، وعندما يقوم أولئك بشتم أبي بكر
وعمر وعثمان ينبغي على كل سامع أن يردد العبارة التالية زد ولا تنقص أما
الذي يمتنع عن ترداد العبارة، فيقومون بتقطيعه بما يملكون من سيوف وحراب،
ولم يكن أمام أهل الفرس من جراء هذه الأعمال التعسفية إلا الهروب بدينهم،
أو قبول مذهب التشيع مكرهين [1].
وأدت أفعال الشاه إسماعيل هذه إلى غضب السلطان العثماني سليم الأول فقامت
الحرب بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، وفي النهاية تمكن السلطان
سليم الأول من فتح مدينة تبريز، ولكنه بعد أن خرج منها سقطت مرة أخرى بأيدي
الصفويين الذين قاموا على الفور بارتكاب مجازر جماعية مروعة اقتلعت أهل
السنة من تلك المدينة تماماً، وأصبحت تبريز مدينة شيعية بالكامل، حيث أنه
قتل في يوم واحد 140 ألف من أهل السنة والجماعة.
أما السلطان سليم فرد على تلك المجزرة بمجزرة مثلها ضد القزلباش الغلاة في
جزيرة أناطولي، واستمر أحفاد إسماعيل على نفس الطريقة، وبعد ذلك سقطت
الصفوية على يد محمود أشرف الأفغاني بعد أن حكمت عمراً طويلاً، ثم جاء بعده
سلالات أخرى مثل الأسرة الزندية والقجرية والبهلوية (أسرة رضا شاه)، وفي
الوقت الحاضر الخمينية، وكل هذه السلالات والأسر تسير على نفس طريق الأسرة
الصفوية، وفي كل يوم يتلقى ما بقي من أهل السنة ضربة جديدة، وآخرها السيطرة
على موارد أرزاق أهل السنة وأسباب معيشتهم في المناطق المحاذية للخليج مما
اضطر أولئك إلى الهروب إلى الدول العربية المجاورة.
أما النظام الإيراني فقد واجه هذا الهروب برحابة صدر وراحة تامة، وقام على
الفور بإسكان الشيعة الوافدين من خوزستان في المدن والقرى التي هجرها أهلها
من السنة، فأضيفت هذه المناطق إلى المناطق الشيعية التي كانت غير موجودة
أصلاً، وإذا نظرنا اليوم إلى خارطة إيران، فإننا نرى أهل السنة يقطنون في
المناطق الحدودية، وهذا أصدق دليل على أن جميع المناطق المركزية داخل إيران
تحولوا إلى مذهب التشيع بسبب مظالم وجور السلاطين الذين تعاقبوا على حكم
إيران، مع أن إيران قبل الأسرة الصفوية لم يكون فيها سوى أربع مدن كان
أهلها يتبعون مذهب التشيع، وهي آوه، كاشان، سبزوان، قم.