بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله ، ومن حضرني من الملائكة ، وأشهدكم ، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة : من الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره ، ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ؛ بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير .
فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيّف ، ولا أمثّل صفاته تعالى بصفات خلقه ، لأنه تعالى لا سميَّ له ، ولا كفء له ، ولا نِدّ له ، ولا يقاس بخلقه ، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلاً ، وأحسن حديثاً ؛ فنَزّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل ، فقال :{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (1) .
والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى ، بين القدرية والجبرية ، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية ، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الصافات آية: 180-182.
وأعتقد أن القرآن كلام الله ، منَزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله ، وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده : نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وأومن بأن الله فعّال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ، ولا يصدر إلا عن تدبيره ؛ ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور .
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت : فأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ؛ فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة عراة غرلاً ، تدنو منهم الشمس ، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد :{ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } (1) ، وتنشر الدواوين ، فآخذٌ كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله .
وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم ، يمر به الناس على قدر أعمالهم .
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أول شافع وأول مشفع ، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى :{ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّض لِمَنِ ارْتَضَى } (2) ، وقال تعالى :{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } (3) ، وقال تعالى:{ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } (4) ؛ وهو لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب ، كما قال تعالى :{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } (5)
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا يفنيان ، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته .
وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ، وأن أفضل أمته : أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم .
وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم ، وأترضى عنهم ، وأستغفر لهم ، وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى :{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (6) ، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء .
وأقرّ بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله .
ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء ، ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام .
وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة ، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل .
وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين ، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ، ورضوا به ، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة ، وجبت طاعته ، وحرم الخروج عليه .
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله ، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة .
وأعتقد أن الإيمان : قول باللسان ، وعمل بالأركان ، واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ؛ وهو بضع وسبعون شعبة ، أعلاها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدة وجيزة ، حررتها وأنا مشتغل البال ، لتطلعوا على ما عندي ، والله على ما نقول وكيل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المؤمنون آية: 102-103.
2 سورة الأنبياء آية: 28.
3 سورة البقرة آية: 255.
4 سورة النجم آية: 26.
5 سورة المدثر آية: 48.
6 سورة الحشر آية: 10.
ثم لا يخفى عليكم ، أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم ، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم ؛ والله يعلم أن الرجل افترى عليَّ أموراً لم أقلها ، ولم يأت أكثرها على بالي .
فمنها قوله : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة ، وإني أقول : إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء ، وإني أدعي الاجتهاد ، وإني خارج عن التقليد ، وإني أقول : إن اختلاف العلماء نقمة ، وإني أكفّر من توسل بالصالحين ، وإني أكفّر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ، وإني أقول : لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها ، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب ، وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما ، وإني أكفّر من حلف بغير الله ، وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي ، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين .
جوابي عن هذه المسائل ، أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ! وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين ، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور .
قال تعالى :{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ } (1) الآية ، بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول : إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك :{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } (2) .
وأما المسائل الأخر، وهي: أني أقول : لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله" ، وأني أعرّف من يأتيني بمعناها ، وأني أكفّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله ، وأخذ النذر لأجل ذلك ، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام ، فهذه المسائل حق ، وأنا قائل بها ، ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله ، ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة ، وإذا سهل الله تعالى ، بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة ، إن شاء الله تعالى .
ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ } (3) الآية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل آية: 105.
2 سورة الأنبياء آية: 101.
3 سورة الحجرات آية: 6.
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته .
منقول عن / كتاب : الرسائل الشخصية
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب بن سليمان (المتوفى : 1206هـ)
دراسة وتحقيق : صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان ، محمد بن صالح العيلقي
الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود ، الرياض ، المملكة العربية السعودية