الطــــــــاغوت للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الطاغوت مشتق من الطغيان،
والطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى:
{إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية}،
يعني لما زاد الماء عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية يعني السفينة.
واصطلاحاً: أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم رحمه الله أنه -أي الطاغوت-: "كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع أو مطاع". ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين،أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عُبدوا، أو اتبعوا، أو أطيعوا فالأصنام التي تُعبد من دون الله طواغيت وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر، أو يدعون إلى البدع، وإلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله طواغيت والذين يزينون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام طواغيت، لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم، فإن حد العالم أن يكون متبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علماً، وعملاً، وأخلاقاً، ودعوة، وتعليماً، فإذا تجاوزوا هذا الحد وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة.
وأما المطاع في قوله رحمه الله: فيريد به الأمراء الذي يطاعون شرعاً، أو قدراً،
فالأمراء يطاعون، شرعاً إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله، فالواجب على الرعية إذا أمر ولي الأمر بأمر لا يخالف أمر الله الواجب عليهم السمع والطاعة، وطاعتهم لولاة الأمر في هذه الحال بهذا القيد طاعةٌ لله عز وجل، ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمر به ولي الأمر مما تجب طاعته فيه أنا في ذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه بطاعته، حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل، وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك، لأن الله تعالى يقول:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
وأما طاعة الأمراء إذا قدراً فإن الأمراء كانوا أقوياء في سلطتهم فإن الناس يطيعونهم بقوة السلطان وإن لم يكن بوازع الإيمان، لأن طاعة ولي الأمر تكون بوازع الإيمان وهذه هي الطاعة النافعة، النافعة لولاة الأمر، والنافعة للناس أيضاً، وقد تكون الطاعة بوازع السلطان بحيث يكون قوياً يخشى الناس منه ويهابونه لأنه ينكل بمن خالف أمره.
ولهذا نقول: إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة ينقسمون إلى أحوال أربع.
الحالة الأولى: أن يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أكمل الأحوال وأعلاها.
الحالة الثانية: أن يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني، وهذه أدنى الأحوال وأخطرها على المجتمع، على حكامه ومحكوميه؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني حصلت الفوضى الفكرية والخلقية، والعملية.
الحالة الثالثة: أن يضعف الوازع الإيماني ويقوى الرادع السلطاني وهذه مرتبة وسطى، لأنه إذا قوي الرادع السلطاني صار أصلح للأمة في المظهر فإذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حال الأمة وسوء عملها.
الحالة الرابعة: أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني، فيكون المظهر أدنى منه في الحالة الثالثة لكنه فيما بين الإنسان وربه أكمل وأعلى.
والمهم أننا نقول: إنه ينبغي لنا عند تنفيذ أوامر السلطان أن نعتقد أننا نتقرب إلى الله عز وجل بذلك، وإنما قال ابن القيم: إن الطاغوت: "ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع " لأن الأمير الذي يطاع قد يأمر بما يخالف أمر الله ورسوله فإنه حينئذ لا سمع له ولا طاعة، ولا يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله سبحانه وتعالى لأن الله تعالى جعل طاعتهم تابعة لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يفهم من سياق الآية: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، ولم يقل: "وأطيعوا أولي الأمر منكم"، فدل هذا على أن طاعتهم غير مستقلة بل هي تبع لطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الطاعة في المعروف" أي فيما أقره الشرع، وأما ما أنكره فلا يجوز أن يطاع فيه أي مخلوق حتى لو كان الوالد أو الوالدة؛ لأن طاعة الله مقدمة على كل طاعة، فإذا أطاع الإنسان أميره أو ولي أمره في معصية الله فقد تجاوز به حده.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
المجلد الثاني
الطاغوت والشرك